الاعتراض السابع: ويتمثل في قولهم إذا كان الإعجاز العلمي للقرآن الكريم قد تكشف لغير المسلمين من علماء الكونيات، فلماذا لم يؤمن هؤلاء بالإسلام
نرد على ذلك بأن العلماء غير المسلمين الذين تعرفوا على بعض الإشارات الكونية الواردة في القرآن الكريم ودرسوها على ضوء ما لديهم من المعارف العلمية قرروا بأن هذا الذي جاء به القرآن الكريم لا يمكن أن يكون معارف بشرية – وقت نزول القرآن، وأنه خارج عن القدرات العقلية لمن قال به وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومنهم من توقف عند ذلك ولم يربط الإعجاز العلمي بالوحي الإلهي، لأن عقيدة الألوهية عندهم غير واردة، ولم ينتقلوا بهذا اليقين العقلي إلى الاستدلال على الوحي وصدق القرآن والإيمان بالإسلام، لأن هذه التداعيات الفكرية ليست سهلة وبسيطة بل هي متشابكة ومعقدة. والهداية أو الجحود والقبول أو الرفض، في العقيدة والإيمان بالله تخضع لأمور ترتبط بالوجدان الذي ينجذب نحو الغيبيات، والأمر أولاً وأخيراً مرده إلى توفيق الله... ولنتذكر قوله سبحانه وتعالى:
( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) [سورة القصص] وقوله تعالى:
( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً... ) [سورة النمل]...
ولا ينفي هذا أن هناك من العلماء من أيقن بأن هذه الإشارات العلمية فوق قدرات البشر وآمن بأن القرآن وحي من عند الله سبحانه وتعالى، وأشهروا إسلامهم، سواء في مؤتمرات الإعجاز العلمي للقرآن والسنة عبر السنوات الماضية، أم في غيرها...
الاعتراض الثامن: ويتمثل في قولهم إذا كان القرآن الكريم كل هذه الإشارات العلمية، فلماذا لم يستفد منها المسلمون على مر العصور ؟
نرد على هذا الاعتراض في النقاط الآتية:
1- إذا كان المسلمون الأوائل قد آمنوا بالإعجاز المطلق للقرآن الكريم، فقد انصرفوا إلى الإعجاز اللغوي وانشغلوا بدراسته مما جعلهم لا يهتمون بالإعجاز الموضوعي بعامة، كما اكتفوا بفهم آيات القرآن الكونية فهماً لغوياً يكفيهم فهم المقصود منها كبراهين على قدرة الله سبحانه وتعالى.
2- الإشارات العلمية بآيات القرآن الكونية ليست من الوضوح بحيث يدرك مدلولاتها العلمية غير المتخصصين في العلوم الكونية الذين لم تتوفر لهم المعارف والحقائق والعلوم. ولم يكن من السهل على المسلمين الأوائل أن يتعرفوا عليها كإشارات علمية قابلة للبحث والاستقصاء العلمي.
3- المسار العلمي للتعرف على ما تحمله الإشارات العلمية للقرآن من معارف كونية لا يبدأ من النصوص القرآنية ثم يتجه إلى المعامل للبحث والتجريب، ولكنه يبدأ من الكشوف الكونية على أيدي العلماء – مسلمين وغير مسلمين – ثم يتجه إلى الآيات القرآنية لتطابقها وتوضحها وتشرحها، مصداقاً لقوله تعالى:
( ولتعلمنّ نبأه بعد حين ) [سورة صاد] وتمشياً مع سنن الله سبحانه وتعالى في إظهار آياته الكونية التي يشير إليه قوله سبحانه وتعالى:
( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق... ) [سورة فصلت] فالبحث العلمي يبدأ من الكون المنظور، ثم يتجه إلى آيات الله المسطورة وهي القرآن الكريم ويشرح معانيها، فيما يعرف بالتفسير العلمي للقرآن الكريم.
4- لا بأس – إن أمكن – من السير في الاتجاه العكسي للمسار العلمي، حيث نبدأ من بعض الإشارات العلمية بالقرآن الكريم. وهذا يحتاج إلى إمكانات بحثية ضخمة ويحتاج إلى قناعة بجدوى ذلك المسار العلمي في الاتجاه المعاكس ويمكننا أن نسمي ذلك " التطبيق التجريبي للإعجاز العلمي " وأسهل منه في مجال الاكتشافات الكونية ذلك المسار الذي يتحرك من الاكتشافات الكونية ويتجه نحو الإشارات العلمية الواردة في القرآن الكريم لتنجلي وتنكشف الحقائق بالآيات القرآنية.
وبهذا نسير أحد المسارين العلميين في خدمة الإعجاز العلمي للقرآن الكريم الذي يقوم بدوره بدعم الإيمان بمعجزة القرآن ومصداقيته كوحي من الله سبحانه وتعالى نزل على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
الاعتراض التاسع: وهو أن القول بالإعجاز العلمي ينقصه شرط التحدي وينقصه أن يكون من جنس ما برز فيه الموجه لهم التحدي
أما عن القول الأول، أي مجيء تحديه بالمثلية
( فأتوا بسورة من مثله...)[ سورة البقرة ] فإن الإعجاز العلمي يدخل في المثلية. كما أن المعجزة ليست قائمة على التحدي والمعاجزة فحسب، بل إنها تتحقق بمجرد تفردها عن المألوف بما يؤكد أنها من عند الله سبحانه وتعالى تأييداً لرسوله صلى الله عليه وسلم... والإعجاز العلمي حقق ذلك الغرض، خاصة في القرون التالية لعصر نزول القرآن، حيث أن القرآن جاء معجزة لكل الناس في كل الأزمان، والعرب وقت نزول القرآن كان تحديهم بالبلاغة والبيان، وهذا وجه من وجوه الإعجاز. وفي عصور التقدم في العلوم الكونية ظهر الإعجاز فيما يحمله القرآن من حقائق علمية غير مسبوقة، فالإعجاز العلمي إذ لم يأت ليتحدى من نزل فيهم القرآن فحسب، ولكن جاء لتشهد القرون من بعدهم على أنه وحي من عند الله، وذلك من مقاصد المعجزة كما قلنا.
الاعتراض العاشر: يتمثل في قولهم المعارف الكونية الواردة بالقرآن هي من قبيل ذكر الظواهر الكونية التي يعرفها عامة الناس – كتعاقب الليل والنهار وحركة الشمس – وليس في ذلك إعجاز علمي.
المعارف الواردة بالقرآن الكريم عن الظواهر الكونية تختلف تماماً عن تلك التي يعرفها عامة الناس بالفطرة، والتي هي من قبيل المعارف الظاهرية. وعلى سبيل المثال، يعرف الناس ظاهرة الليل والنهار وتعاقبهما، ولكن القرآن عندما يتناول هذه الظاهرة المألوفة للناس جميعاً فإنه يتحدث عنها بدقة علمية مستخدماً كلمات تكمن فيها الإشارات العلمية التي تكون مجهولة حتى للمتخصصين قبل اكتشافها.
قال الله سبحانه وتعالى في شأن تعاقب الليل والنهار:
( يكوّر الليل على النهار ويكوّر النهار على الليل ) [سورة الزمر]
وقال تعالى:
(وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون... ) [سورة يس]
وقال تعالى:
( تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل... ) [سورة آل عمران]
فالتكوير تعبير عن التفاف الليل على النهار والتفاف النهار على الليل في تعاقبهما. وفي ذلك إشارة علمية إلى كروية الأرض، وهذا ما فهمه العلماء من هذه الآية... و(نسلخ) وصف لتعاقب الليل والنهار بانتزاع النهار من الليل، وقد شاهد هذا المنظر في الواقع، رواد الفضاء عندما نظروا إلى الأرض وإلى الليل والنهار.
ومثال آخر للمألوف من الظواهر الكونية وهو عن حركة الشمس الظاهرية، فالناس يدركون هذه الظاهرة منذ أن وجدوا، ولكن القرآن الكريم يصف حركة حقيقة للشمس في قول الله تعالى:
( والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ) [سورة يس].
فالفعل (تجري) لا يدل على الحركة الظاهرية التي يراها الناس، وهي شروق الشمس وغروبها، بل هو يدل حركة حقيقة عظيمة المعدل تستق تعبير ( الجري )، وهذا ما توصل إليه العلماء في عصرنا الحاضر.
ونلفت نظر المعارضين إلى ذلك التفاوت بين معارف العامة للظواهر الكونية وبين حديث القرآن عنها، حتى يدركوا مفهوم الإعجاز العلمي والإشارات الكونية بالقرآن الكريم. وما ذكرناه من أمثلة إنما هو عن الظواهر الكونية المألوفة للعامة، ولكن هناك الكثير والكثير بالقرآن الكريم عن المعارف الكونية التي يجهلها المتخصصون وجاءت كإشارات علمية بآيات القرآن الكريم، فليعلم المعارضون ذلك جيداً...!!
يمكن إرسال التعليقات حول المقالة إلى فضيلة الدكتور كارم السيد غنيم
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]منقول