بالرغم من كون الإنسان كائنا اجتماعيا وتمثل العلاقات الحميمة نوعا من تحقيق الذات لديه، إلا أن من عجائب الأمور أن تجد إنسانا يسعى إلى التخلي عن هذا المبدأ بخسارة تلك العلاقات وعدم الاستمرارية في علاقة الصداقة لفترة من الزمن وعدم الحفاظ على تلك العلاقات الحميمة والصحية وتطويرها.
لقد درس علماء النفس الأسس النفسية لعلاقة الصداقة بين الأشخاص إذ يشغل بال كل شخص ناضج انفعاليا، كيف تكون الصداقة الناجحة بين الأفراد وكيف تستمر وما طبيعة الظروف النفسية والاجتماعية التي تدعمها وتهددها، وما المهارات الاجتماعية والشخصية اللازمة لاكتساب الأصدقاء إلى جانب مظاهر الخلافات التي تقع بين الأصدقاء والأساليب الملائمة لفض هذه الخلافات والحفاظ على الصداقة.
لقد عرفت الصداقة من منظور علم النفس بأنها علاقة بين شخصين أو أكثر وأنها تتسم بالجاذبية المتبادلة المصحوبة بمشاعر وجدانية وأنها علاقة اجتماعية وجدانية وثيقة ودائمة تقوم على تماثل الاتجاهات بصفة خاصة وتحمل دلالات بالغة الأهمية تمس توافق الفرد واستقرار الجماعة، وقد فسرها أحد العلماء بأنها علاقة اجتماعية وثيقة تتميز بخصائص الاعتمادية المتبادلة التي يبرز من خلالها تأثير كل طرف في مشاعر ومعتقدات وسلوك الطرف الآخر، كما تشمل أنماطاً مختلفة من النشاطات والاهتمامات المتبادلة والاشتراك في مختلف النشاطات والاهتمامات مقارنة بالعلاقات السطحية التي تتركز في الغالب حول موضوع أو نشاط واحد، كما أن الصداقة هي قدرة كل طرف من أطراف العلاقة على استثارة انفعالات قوية من الطرف الآخر وهي خاصية مترتبة على الاعتمادية المتبادلة بين الأصدقاء، إذ تعد مصدراً لكثير من المشاعر الإيجابية السارة بين الأصدقاء.
وفي ظل تلك العلاقة المهمة والمفيد ة لصحة الإنسان النفسية يحصل الفرد منها على المساندة والتشجيع ودعم الثقة بالنفس والتقويم الإيجابي للذات والإفصاح عن المشاعر، إضافة إلى القدرة على توسيع الأفكار والمعارف والرؤى الشخصية لموضوعات متعددة، والنفع المباشر بتسخير الوقت والموارد الشخصية لخدمة الصديق وتلبية حاجاته.
وقد أكد علماء النفس أن هناك خصالا مهمة في بقاء الصداقة واستمراريتها كالأمانة، الصدق، حسن الخلق، الوفاء، الإخلاص، التدين، التفتح، المرونة العقلية، وقوة الشخصية وتوكيد الذات ـ أي التعبير المباشر من دون اللجوء إلى الرسائل.
ومع أن الصداقة ذات أهمية نفسية واجتماعية للإنسان إلا أن البعض يسعى إلى التفريط السريع في تلك العلاقة. وأكد علماء النفس أن من يفرط في علاقات الصداقة يعاني من سوء الفهم والكثير من المعتقدات الخاطئة كالخيانة، الخداع، السخرية، الاستهزاء، الغيرة، الحقد، التنافس، والاعتداء على الممتلكات والحقوق الشخصية والتفاخر والغرور والشك، إضافة إلى الخذلان وعدم الاهتمام، ونجد البعض يعانون من أعراض فقدان الأصدقاء، يعانون من تلك الأمور إلى جانب عدم القدرة على إصلاح صداقاتهم والاستمرارية في ارتكاب مثل تلك الأخطاء.