شكرا اختي في الله لطرحكم الطيب
بقلم: د. خلف بن سليمان النمري
لقد أعطى الإسلام لكل إنسان حقه في الكسب والأخذ والعطاء، وشرع للإنسان ذكراً كان أم أنثى أن يكسب من مال الله، ويكون مسؤولاً عن هذا المال، وليس لأحد من البشر أن يأخذ هذا الحق المكتسب بغير حق مشروع مهما كان، وقد ورد في القرآن الكريم من الأحكام مايدل على إقرار الملكية الفردية للذكر والأنثى، كأحكام الإرث، وأحكام المعاملات، وطرق الكسب الأخرى المباحة.
والمال هو في الأصل لله سبحانه وتعالى: {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} النور آية 33.
ونسب المال الى الانسان وجُعل خليفة فيه عن الله يقوم بحقوق الخلافة في التصرف فيه واستثماره وإخراج الزكاة الواجبة فيه وإعطاء أصحاب الحقوق حقوقهم منه قال تعالى: {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} الحديد آية 7، وقال سبحانه {الذي يؤتي ماله يتزكى} الليل آية 18، وقوله {خذ من أموالهم صدقة} التوبة آية 103، فالمال لله ونسب للإنسان ليكون خليفة عن الله فيه فيتصرف في استثماره وإنفاقه وإخراج ما وجب فيه من حقوق.
ومن القواعد الحاكمة لهذا المال بين عباد الله قاعدة هامة ذكرها الله في كتابه الكريم ألا وهي عدم أكل هذه الأموال بالباطل فقال سبحانه {ولاتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}البقرة آية 188، وقد ورد في الحديث «كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه». ولهذا فقد جعل الله للمرأة حق في اكتساب المال مثلها مثل الرجل في ذلك ومن أهم الحقوق المالية التي تكتسبها المرأة بالطرق المشروعة ما يلي:
أولا: حق الإرث: المرأة في الاسلام لها حق شرعي في التركة التي تركها مورثها، ويثبت هذا الحق منذ خلقتها في بطن أمها ويستمر ثابتاً لها ويحق لها التصرف فيه بعد وفاة مورثها، فلها بيعه وهبته ومنحه لمن تشاء، أو الاحتفاظ به والعمل فيه، قال الله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساءً فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف..} النساء آية 11، الى آخر الآيات التي تبين توزيع الميراث. فالإرث حق واجب للمرأة مهما كانت حالتها وفقرها وغناها بنتاً أو أماً أو أختاً، عاقلة أم مجنونة، رشيدة أم سفيهة، صالحة أم غير ذلك، وليس لأحد من كان أن يحرمها من هذا الحق المشروع الذي شرعه الله من فوق سبع سموات، ولا تمنع منه إلا بموانعه الشرعية من كفر أو ردة أو قتل لمورثها.
وما نسمع عنه في العصر الحاضر من انتقاص لحقوق المرأة، ومنعها من إرثها بغير حق عند بعض الناس إنما هو تعسف وأكل لأموال الناس بالباطل، وإرثها لها وهو طريق مشروع كسبت به هذا الحق قال تعالى: {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} النساء آية 32.
ويؤكد القرآن الكريم ان الانسان كفرد له كيانه الخاص، فهو المخاطب من الله، والمكلف والمسؤول، ونتيجة لذلك فله حق التملك الشخصي وهو حق ينفرد ويستقل به من غير منازع أياً كان الفرد كبيرا أم صغيرا ذكرا أم أنثى قال الله تعالى {كل نفس بما كسبت رهينة} المدثر آية 38، وقال تعالى {وكلهم آتيه يوم القيامة فردا} مريم آية 95.
وسيحاسب الله أولئك الظالمين الذين يقتطعون حقوق النساء بغير حق في يوم القيامة {يوم لا تملك نفس لنفس شيئا} الانفطار آية 19، فبأي وجه يلقى الله ذلك الظالم لنفسه الآكل لحقوق أمه أو ابنته أو زوجته أو أخته أو عمته أو خالته أو جدته أو زوجة أبيه، فقد شرع الله لها حقاً في الميراث قل أم كثر فكيف تعترض على حكم الله وتخالف أمره سبحانه، أما تذكر أنك محاسب على ذلك يوم القيامة، أما تتذكر القبر ووحشته، والنار وحرها وسمومها، أما تعلم ان هذه المرأة المسكينة هي أول من يبكيك ويترحم عليك، وهي أول من يدعو لك في الدنيا والآخرة، كيف وأنت سندها وعضيد جنبها تقيلها من العثرات وتمنعها من الزلات وتعطيها من مال الله الذي وجب لها، فأنت راع لها وحارس في الدنيا عليها وهي أمانة عندك فكيف تخول لك نفسك أن تخون الأمانة وتسلبها أبسط حقوقها المشروعة لها، إن ذلك والله من الظلم وأكل أموال الناس بالباطل.
ثانيا: حق النفقة: النفقة حق للمرأة يلتزم بها ولي أمرها سواء كانت أماً أم أختاً أم بنتاً أم قريبة يرثها وترثه، وإذا تزوجت انتقل هذا الالتزام على الزوج منذ قيام الحياة المشتركة بينهما وعليه ان ينفق باعتدال حسب العادة والبيئة، لا يميل الى الاسراف أو التقتير، ولا يحمل نفسه فوق طاقتها، {لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها} الطلاق آية 7، والنفقة على المرأة عبادة وقربة الى الله لما روى أبو أمامة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من أنفق على امرأته وولده وأهل بيته فهي صدقة» رواه الطبري. وهذا الانفاق يعتبر سبباً من أسباب قوامة الرجل على المرأة {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} النساء 34، والنفقة واجبة للزوجة مادامت تؤدي واجبها تجاه زوجها، وبيتها، وأولادها، لأنها مكلفة وراعية لزوجها وبيته وأولاده.
فإذا تمردت على الفطرة، ولم تقم بواجبها وحادت عن المنهج والطريق السليم في رعاية زوجها وتمكينه من نفسها فقد فوتت على الزوج مقصود الحياة الزوجية فليس لها نفقة ولا حقا مالياً على زوجها.
ومن الأعمال التي يتضرر فيها الزوج وتمنع عنها النفقة، خروجها من بيته بغير إذنه، وقضاء أوقات طويلة خارج البيت بغير رضاه، وهجر بيته، وامتناعها من المباشرة بغير عذر، لأن النفقة إنما وجبت للزوجة ببذلها نفسها ووقتها وجهدها وزينتها على راحة زوجها وإسعاده ومنحه ثمار الحياة الزوجية، فاذا فاته هذا فلم يلزمه نفقة.
والنفقة تشمل الطعام والشراب والكسوة وما تستلزمه الحياة الطبيعية اللائقة بالزوجين دون إسراف ولا تقتير والوسط والاعتدال أمر مطلوب شرعاً وحسن العشرة لكي يسود التفاهم الحياة الزوجية والسعادة.
وهناك طرق مشروعة أخرى للمرأة يثبت بها حق اكتساب المال مثل العمل براتب أو بأجر يومي أو شهري عند خروجها للعمل بالشروط المشروعة لعمل المرأة في الإسلام وما يترتب عليه من حقوق، ومن الطرق الأخرى المشروعة للتملك الوصية والهبة والمنحة والوقف والجعالة والمكافآت المالية وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره وبيانه، فالله الله في حقوق النساء ولقد وصى بهن وعليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلى المرأة حقوق وواجبات مالية تجب في مالها كالزكاة المفروضة إذا ملكت المرأة نصابا، ومضى عليها الحول، والصدقة على الفقراء والمحتاجين والمساكين وذوي القربى، وبذل ما تستطيعه من فضل مالها في الانفاق في سبيل الله، كما تجب عليها النفقة على والديها وإخوانها وأخواتها وقرابتها اذا كانوا فقراء محتاجين وكانت قادرة مستطيعة بالمعروف ولها أجر كبير.
وتشارك المرأة زوجها في أعباء وتكاليف الحياة الزوجية، إذا كانت قادرة، أو اذا سمح لها بالخروج للعمل، حيث له الحق في منعها، وإن خرجت بإذنه فعليها ان تقدم ما تستطيعه من المال لزوجها كأن تساعده في نفقة المعيشة أو الكسوة لها أو لأولادها أو في إيجار المنزل أو في دفع أجرة الخادمة التي تعمل في منزلها أو أجرة المواصلات التي تقوم بتوصيلها لعملها، وهكذا يمكن لها أن تساعده وتشاركه في تأثيث منزل الزوجية وبناء السكن وما شابه ذلك وذلك مروءة منها ومعروفا لأنه سمح لها بالعمل على حساب وقته وراحته وبيته وذريته فالحياة تعاون وتفاعل والله أمر بالتعاون على البر والتقوى، وهذا من أعمال البر بين الزوجين فالحقوق بينهما عظيمة، والعمل على الوفاء بها أمر فيه خير للأسرة والمجتمع.