استاذ/محمد صالح البدراني
لفت انتباهي مقالا للدكتور مصطفى محمود رحمه الله أرسله لي أخ عزيز، المقال يتحدث عن فقدان الرضا عند الناس كل الناس، ولو نظر بعضهم لداخل بعض لوجد أن الكل يعاني من حرمان ما.. فرددت معه لو نظرنا إلى داخلنا لوجدنا أمراً كبيراً، ولو ركزنا على أنفسنا وما يحدث لنا أفراداً لعظم الأمر وأضحى أمراً جللاً، بيد أننا لو فتحنا نفوسنا لبعضنا لوجدنا أن النفوس كلها في معاناة، ذلك أنها تريد كل شيء ولا تبغي العدل في الحياة، فهي تريد عقلا نيرا وراحة وعذوبة مأكل، وأناقة ملبس، تريد الراحلة ومن أفخر ما وجد، والمال وأكثره، والسعادة لا تأتي إلا في النعيم المقيم، لكن لمن تأتي.. تأتي لمن أوتي الحكمة ورضي عن الله فرضي الله عنه.. ومن رضي عن الله فالله راض عنه وقد وهبه الحكمة والحكمة خيراً كبيراً.
لا ندرك في أغلب وقتنا أن القسمة كما الذهب أربع وعشرين قيراطا، توزع بالعدل بين الناس، كل إنسان عنده هذا الكم، ولا يظلم ربك أحداً، فهل علمنا أن رب زوج فيه أو فيها الصلاح تأخذ من هذا ما مقدار خمسة عشر قيراطا، هل علمنا لو أن أولادا صالحون يأخذون خمسة منها، وتوزع الأربع بين الجاه والمال وغيرها، وآخر أوتي من المال عشرين قيراطا، وتمرغ بعدم الرضا في بقية أموره بما بقى من الحبات (القيراط) المتبقية، تلك حقيقة العدالة التي عند الجميع، لكن الإنسان يريد من كل هذا أربع وعشرين وينسى أن له عقلاً يدير توازنها ليحولها من حال إلى حال، والحق العدل هو من يعطي وليس الإنسان الذي لو أوكل رزقه لنفسه لشح عليها، فلو شارك الآخرين بما عنده لأعطي ما يعوض نقص قراريطه بأفضل منها. فالله كريم وغيور لا يطاول أحد كرمه..
حقائق نعرفها جميعا، فما بقى، نحن لو فهمنا كيف نتعامل مع الله فإن هذا يحتاج أن نتعرف إلى الله، ومتى عرفنا الله لا يشغلنا ميزان عدله، ولا حسد، ولا كره، ولا تمنّي لما في يد الغير، ولبقت أمنية واحدة أن نخرج من هذه الأرض لا لنا ولا علينا ونثق برحمة غفور رحيم كريم.
العالم يسأل كيف تعامل مع علمه، وذي المال يسأل كيف تعامل مع ماله، وكل نعمة تسأل عنها فمن يطيق السؤال، إذا كنا نبحث في نفوسنا، وعن نفوسنا ولنفوسنا، فهل ننسى أننا سنسأل عن هذا الحال، عن الخلل في موازين أدت بنا إلى التخلف وإهانات توجه لرسالة عظمى وعن أمة كثر عددها لكنها فقدت التنظيم والإدارة فكانت دولة في كل فرد وكان كل فرد يعيق بحركته حركة الآخرين عشوائية تتورم من التهاب مؤلم فتنتفخ لتكون كالغثاء كبيرة يتخللها الهواء مالحة مجه خانقة رغم أنها تبدو بيضاء، لا تجد فيها حياة يحركها الموج ويدفعها إلى خارج بحر مازالت فيه الحياة.
لن أقول ما يجب فعله فالكل يعلم أن هنالك ما يجب فعله لكن برأيه وطريقته من أجل هذا لم نتحرك، لأننا لم نتفهم بعضنا وأضحى كل ذي رأي معجب برأيه، ويتصور أن الحل في دربه لكنه لا يتحرك ويترك الموج يعبث حتى في وجهة حركته فيبدو متقدما لكنه يتقدم في برامج الآخرين وهو مصر أن هذا برنامجه الأفضل.
دعونا نرى درب النور، دعونا لا نفترض أن توحيد الفكر يعني أن تكون معتقداتنا واحدة بل لنأتي إلى الأساس الذي لا نختلف عليه، ونتوجه للأهداف العملية وليس إلى خيال يتحول بجهلنا إلى وهم كبير، علامَ نشغل أنفسنا بالمصروف والممنوع من الصرف كما قال نزار قباني، ونحن لا نجيد الكلام والنطق بلغة القرآن، علامَ نتوجه إلى بعضنا في تضاد، ولا نعي أننا كلنا كتلة تدفع إلى هامش الحياة، علام نضيع أنفسنا في حركة وهمية موضعية ونحن في بودقة واحدة تجري إلى حيث لا نعلم.. إذن لنجلس ونتكلم لكن لا لنتفق على أي منا الصواب، بل على الطريق الملائمة بفقه الواقع والمؤدية للخلاص من هذا الواقع المشين، لنوقف تلك التضاربات العشوائية الحركة ونوجه قوانا لتكون تياراً يتوجه بانتظام ليشارك في صنع الحياة، ليقلل من تلوث البحر الذي تتهدد فيه الحياة بدل أن نكون نحن من ملوثاته.
يا قوم، قد نملك ثروة نبددها بسوء التفكير، وقد نصنع ثروة بإدارة المعطيات، لكن لابد أن نجيد الحرف والكلمات وقواعد الشعر لنخرج الأبيات، لا تقل ما هو المفروض وقد أتخم الناس منها، وإنما قل ما هو السبيل المتاح، وقبل أن نتحدث عن لماذا يجب أن نصل؛ علينا أن نتحدث كيف يجب أن نصل محافظين على نقاءنا، ذلك حتى لا نبرر لماذا ونشوهها ونحن نحصر أنفسنا بجهلنا الآليات ودروب الهدف. الحق أقول إن من يرش بملوث أسن ينظف أن بقى داخله سليما، لكن عليل الداخل لا تنظفه كل المياه لأنه بحاجة لطب عتيد، وعليه أن يوقن أنه بحاجة إلى هذا الطبيب، فلنحافظ على سلامة داخلنا ونحن نبحر في مياه آسنة تحيط بنا، لكن لابد أن نعرف وجهتنا لنصل حيث المراد.