تحقيق- نورا النجار وأسامة جابر:
أصبح نجمًا فضائيًّا لامعًا، خفيف الظل.. اخترق قلوب المشاهدين كالبرق "متسربًا إلى منطقة الأحلام".. ضيفٌ ينتظره الملايين كل يوم ليطل عليهم بباقة من الوعود والأحلام التي يتصارع عليها الجميع، لم يفرِّق بين كهلٍ ولا شابٍّ ولا امرأةٍ؛ الجميع أعماهم الانبهار، والكل انساق وراء كلماته المعسولة ووعوده البرَّاقة، وبعد الظهور الأول لنجم الفضائيات بل والشاشة الصغيرة أيضًا اندفع الجميع طمعًا في الحصول على وعوده لهم.
إنه النجم (0900) الذي بدأ في الظهور على الشاشة مع بداية عام 2001م كوسيلةٍ للفوز بجوائز برامج المسابقات التي تنوَّعت أسئلتها ما بين الفن والرياضة والثقافة العامة وحتى الثقافة الدينية على الفضائيات العربية والقنوات الرسمية على حدٍّ سواء؛ لتدفع بمُشاهديها إلى الاتصال بنجم الأرقام (0900) والذي اعتبره المشاهدون مصباح علاء الدين للقرن الحادي والعشرين، وبدأ السباق المحموم بين الفضائيات بصفة خاصة لشراء النجم اللامع (0900) بحجز قمر صناعي لمدة عام بتكلفة 75 ألف دولار.
وكشفت أحدث الإحصائيات أن أرباح قناة (المحور) الفضائية على سبيل المثال من هذه المسابقات وصلت إلى 10 آلاف جنيه في اليوم الواحد، في حين بلغت أرباح (مزيكا- مولدي تريكس- روتانا) خلال 2005م- 2006م مليون دولار.
وأكدت دراسة لقسم الفنون السمعية والبصرية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة أن القنوات الفضائية العربية حققت أرباحًا قُدِّرت بـ30 مليون دولار (ما يوازي 200 مليون جنيه مصري) خلال عامي 2002 و2003 من وراء الدردشة الفضائية التي تتمثَّل في الشريط المتحرِّك الذي يحمل عبارات شبابية يرسلها المشاهدون عبر رسائل الجوال وخدمة (0900).
وانتهت إلى اتهام القنوات الفضائية بابتزاز الأسر المصرية والعربية، وتضيف فوق كاهلها الكثير من المعاناة المادية دون أي طائل من ورائها، وحذَّرت الدراسة من تفاقم المشكلة وازديادها بسرعة فائقة بين الشباب، وهو ما يهدِّد بخللٍ في قيم المجتمع الذي يعاني كثيرًا في ظل عالم الاتصالات والتكنولوجيا الذي أساء الشباب العربي استخدام تقنياته حتى هذه اللحظة.
وقد أصبح (0900) أزمةً تُثير مشكلات أسرية لا حصر لها من نشوبِ الخلافات بين الآباء والأبناء والزوجات من أجل محاولة اللحاق بقطار الأحلام الزائف، والذي يكلِّف عائل الأسرة نفقات باهظة تُترجَم في فاتورة هاتفية شهرية لتزيد من أعباء الأسر، إضافةً إلى مشاكل نفسية واقتصادية واجتماعية كثيرة.
ووسط فتاوى فقهية كانت أخراها فتوى الأزهر الشريف بحرمة هذه المسابقات واعتبارها نوعًا من المقامرة وتعدد شكاوى المصدومين؛ التقى (إخوان أون لاين) بعددٍ من المواطنين في الشارع المصري لمعرفة آرائهم تجاه مسابقات الـ(0900).
قمار
بدايةً.. تقول حنان أبو الوفا (طبيبة): "مسابقات (0900) وما شابهها هي نوع من القمار كما قال العلماء في الأزهر، وهي استغلال مادي وفكري، وللأسف تشارك فيه الدولة، وحتى أسئلة هذه المسابقات تافهة لا تعلِّم ثقافةً ولا دينًا، كما أنها تصب في جيوب أصحاب شركات الاتصال القائمين برعاية هذه المسابقات، فضلاً عن أنها تعوِّد المجتمع على الاستهلاك، حتى من سار وراء هذه المسابقات لم يربح إلا سرابًا، وإذا تم الإعلان عن فائزين في هذه المسابقات فأغلب الظن أنها (كذبة كبيرة)".
وتضيف أن الدولة متواطئة معهم ولا تفعل شيئًا إلا بعد أن يجنيَ أصحاب المصالح ثرواتهم من هذه الوسائل المشبوهة ويفرون بغنيمتهم إلى الخارج؛ بعدها تبدأ الدولة في البحث عنهم لمحاسبتهم، وعلى علمائنا أن يقفوا وقفةً جادةً لتحريم هذه المسابقات تحريمًا قاطعًا؛ حتى لا تكون هناك ذريعة لأحد".
وبلهجةٍ مستنكرةٍ تقول أميرة رياض (حاصلة على بكالوريوس الخدمة الاجتماعية): "مثل هذه المسابقات لا طائل من ورائها؛ فهي لا تدل إلا على فراغ عقلِ وفكرِ المجتمع العربي، ومن المَشين أن تنساق الحكومة خلف من يخططون للقضاء على البقية الباقية من أبناء وطننا".
وترى أن شعار هذه المسابقات يجب أن يكون "كل ما تتصل أكتر.. بيتك يتخرب أكتر" بدلاً من " كل ما تتصل أكتر.. فرصتك في الفوز تكبر".
أسئلة تافهة
أحمد بكر (طالب بالصف الأول الثانوي) يقول: "لم أحاول الاشتراك في هذه المسابقات، ولن أحاول، كما أن أسئلتها تافهة، وبالتالي أشك في مصداقية الجوائز والمسابقة من أصلها؛ فأنا سمعت أن القائمين على هذه المسابقات يقومون بتأجير بعض الأشخاص لقاء أجر معين؛ ليمثِّلوا أدوار الفائزين؛ مما يدفع بالآخرين إلى الاتصال أكثر، وبالتالي تزداد أرباح الشركة".
وبسؤاله عن مدى تصديق مَن حوله مِن زملائه هذه المسابقات أجاب: "لا أعلم أحدًا من أصدقائي حاول المشاركة؛ فكلنا نعلم أنها عملية مزيفة وغير حقيقية".
وفي شكوى لأحمد عادل (ليسانس شريعة وقانون) قال: "إن كثيرًا من المسابقات بعد الاتصال بها عدة مرات وإجابة الإجابات الصائبة لا يعرف الشخص كيف يصل إليهم أو الحصول على جائزته، وهو ما يؤكد تهمة النصب على المواطنين".
وأضاف: "إنني أستقبل على تليفوني المحمول رسالةً تخبرني بأنني فزت بـ1000 جنيه، وما عليَّ إلا أن أتصل بهم من خلال الرقم الذي أعطوني إياه، وهو (2083)، وأُدخل رقمهم السري الذي أعطوني إياه أيضًا في رسالتهم، وبهذا أحصل على 1000 جنيه، وطبعًا فعلت هذا، والنتيجة إخباري أنني اقتربت من الرقم الصحيح، وعليَّ إدخاله مرات ومرات لأقترب من رقمهم"، وتساءل: "كيف هذا ورسالتهم تخبرني أنني فزت؟! ولماذا لم يخبروني أن عليَّ إدخال رقمهم عدة مرات، وليس أني فزت بالفعل؟!، وطبعًا الوقت محسوب لهم".
وطالب بجهازٍ يُراقب مثل هذه المسابقات والتأكد من مدى الجدية في تطبيق قواعد الفوز، وقال: "كما إن هناك جهاتٍ يُسمح لها بالتكسُّب من خلال هذه المسابقات، فأنه من حق المواطنين وجود أجهزة رقابية".
تخدير المواطن
هاني جابر (طبيب بيطري يقول): "مسابقات (0900) استهزاءٌ بهموم المواطن المصري"، مؤكدًا أن هناك أبعادًا لمسخ عقلية المواطن المسلم وتهميش أولوياته؛ إما لتيسير السرقة أو لترسيخ مجتمع غير قادر على معرفة الحق من الباطل، ولا تقتصر الاستفادة على أصحاب الشركات، بل إن هناك أياديَ خارجية مستفيدة من تخدير المواطن.
ويضيف: "تحقيق الأحلام من القمار المحرَّم؛ لا يجلب السعادة بل يجلب الشقاء والهمّ؛ فقد رأيت حالات لضياع الأمل؛ فالمشارك بعد عدة محاولات يفقد الأمل نهائيًّا في تحقيق حلمه؛ لأنه يعتقد أن هذه المسابقة كانت أمله الأخير؛ فلقد أمضى ساعات طويلة ومحاولات عدة، مستنزفًا أمواله لكي يربح، وفي النهاية لا ينال إلا اليأس، كما أن مثل هذه المسابقات تدمِّر حياة أجيال وتُفقد المستقبل حيويته وجديته بالتوارث المَشين"، وتساءل هاني: "أين الرقابة على هذه الأشياء؟!" ساخرًا بقوله: "ألم يعد لحكومتنا الآن إلا سرقة شعبها وخداعه وتضليله؟!".
تُوافقه الرأي جهاد يس (محامية) فتقول: "رأيت قبل ذلك إعلانًا لشخص بائس وتعيس لسوء أحواله، وفجأةً انقلب حاله لنجده في وسط مسبحٍ وبجواره حسناوات؛ بعد أن حدَّثه طرف آخر ينصحه بالاتصال بـ(0900) ليخرج من مشكلاته، ثم يوجِّه الكلام إلى المشاهد بأن يتصل هو الآخر لحل مشكلاته؛ فهي إعلانات تافهة وأسئلتها أكثر تفاهةً منها؛ تستغل سذاجة الملايين".
وتعلِّق ساخرةً: "الصينيون قرَّروا أن يقهروا الماضي ويقوموا بغزو إنتاجي للمستقبل، ونحن نبحث عن حلول مشكلاتنا بـ(0900)".
ويقول خالد السلكاوي (اختصاصي برمجيات): "لم أحاول الاشتراك؛ فأنا أرى هذه المسابقات لا هم لها سوى إلهاء المواطنين وإبعادهم عن الأحداث المهمة والمسابقات الهادفة كالمسابقات الدينية، وبصراحة شديدة أنا أرى كثيرًا من الشبهات تحوم حولها؛ سواءٌ من ناحية التمويل؛ حيث إنها ليست لها مصادر معلنة لتمويلها؛ إضافةً إلى شبهات شرعية تكمن في أنها نوع من القمار؛ حسب معلوماتي في هذا الأمر، وهي نوع من المتاجرة بأحلام البسطاء، لكن شعبية هذه المسابقات بدأت في التراجع الآن؛ لأن أغلب المواطنين أصبحوا يدركون أن الأمر من قبيل النصب ليس إلا".
بلا رقابة
من ناحيته يقول الدكتور عمرو بدوي رئيس جهاز تنظيم الاتصالات إن تشغيل الخدمة الصوتية يكون من خلال شركات متخصصة لديها رخصة للعمل في هذا المجال، وهناك شركتان تعملان في هذا المجال شركة "تليميديا" و"تليكوم ميديا"؛ حيث يقوم العميل أو الشركة الراغبة في الحصول على رقم لتقديم خدمة من خلالها بالاتفاق مع هذه الشركات، وأضاف أن دور الشركة المصرية للاتصالات هو تأجير بعض الخطوط الأرضية- باعتبارها المالكة لها- لشركات تشغيل الخدمة الصوتية.
وأضاف: "هذه المسابقات التي تتم من خلال التليفون لا نقوم بالمراقبة عليها، وليس من اختصاصنا أن نراقبها، ولكن نراقب سعر التعريفة التي تقدِّمها الشركات للعملاء، مشيرًا إلى أن شركات تشغيل الخدمة تخصِّص رقمًا لكل عميل جديد، ويتم إبلاغ الجهاز بأنه تم تخصيص هذا الرقم للعميل فلان، ولكن لا نقوم بمتابعة عملية سير الأرقام".
وعن تكلفة تأجير الخطوط الأرضية للشركات المتخصِّصة ومدى استفادة الشركة المصرية للاتصالات من هذه العمليات يقول: "هذه البيانات سرية ويتم الاتفاق عليها وفقًا لعقود محددة مع الشركات"، ورفض التعليق على الجدوى الاقتصادية لهذه المكالمات بالنسبة للعميل أو الشركات، واكتفى بقوله إن زيادة إعلانات الأرقام والعملاء المشتركين في هذه الخدمات ترجع إلى زيادة الطلب عليها من قِبل المواطنين.
وبسؤاله عن ورود شكاوى عمليات نصب أو عدم تسليم جوائز قال: "إنه في حالة وصول شكوى إلى الجهاز والتأكد من صحتها نقوم على الفور بإصدار أمر للشركات مقدِّمة الخدمة بوقف هذه الأرقام، ولكن ليس وظيفة الجهاز التحقيق في الموضوع؛ حيث تعتبر قضيةً مدنيةً، فضلاً عن أنها مثل ورق اليانصيب".
وأوضح أن كل وزارة تراقب على الأسئلة الخاصة بها، فمثلاً تراقب وزارة الشباب الأسئلة الرياضية، وتراقب وزارة الشئون الاجتماعية ووزارة الثقافة المعلومات، وأن على المواطنين عدم التهاون والقيام بتحرير محضر في قسم الشرطة عن أي أرقام تستخدم هذه الخدمة بطريقة خاطئة.
ضربة حظ
|
عبد الخالق فاروق |