مسلم Admin
عدد المساهمات : 9693 نقاط : 17987 السٌّمعَة : 67 تاريخ التسجيل : 11/03/2010 العمر : 55
| موضوع: مراقبه الله الثلاثاء أغسطس 03, 2010 12:51 am | |
| بابُ المراقَبة قال الله تعالى: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ [الشعراء:218،219]، وقال الله تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾[الحديد:4]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ﴾ [آل عمران:5]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ [الفجر:14]، وقال تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر:19] ، والآيات في الباب كثيرة معلومة. الشرح لما ذكر المؤلف- رحمه الله - باب الصدق، وذكر الآيات والأحاديث الواردة في ذلك أَعْقَبَ هذا بباب المراقبة . المراقبة لها وجهان: الوجه الأول: أن تراقب الله عز وجل. والوجه الثاني: أن الله تعالى رقيب عليك كما قال تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً﴾[الأحزاب:52] . أما مراقبتك لله فأن تعلم أن الله- تعالى- يعلم كل ما تقوم به من أقوال وأفعال واعتقادات ، كما قال الله تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ(217)الذي يراك حين تقوم (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ [الشعراء:217ـ 219] ، يراك حين تقوم، أي: في الليل حين يقوم الإنسان في مكان خال لا يطلع عليه أحد، فالله سبحانه وتعالى يراه. حتى ولو كان في أعظم ظلمة وأحلَكِ ظلمة؛ فإن الله تعالى يراه. وقوله: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ أي : وأنت تتقلَّب في الذين يسجدون في هذه الساعة ، يعني تقلُّبكَ فيهم، أي: معهم، فإن الله- سبحانه وتعالى- يرى الإنسان حين قيامه وحين سجوده. وذَكَرَ القيام والسجود؛ لأن القيام في الصلاة أشرف من السجود بذكره، والسجود أفضل من القيام بهيئته. أما كون القيام أفضل من السجود بذكره؟ فلأن الذكر المشروع في القيام هو قراءة القرآن، والقرآن أفضل الكلام . أما السجود فهو أشرف من القيام بهيئته؛ لأن الإنسان الساجد أقرب ما يكون من ربه عز وجل ،كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد))(192) . ولهذا أمرنا أن نُكثر من الدعاء في السجود، كذلك من مراقبتك لله، أن تعلم أن الله يسمعك، فأي قول تقوله؛ فإن الله تعالى يسمعك ؛ كما قال الله:﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ [الزخرف:80] ، بلى: يعني نسمع ذلك. ومع هذا فإن الذي تتكلم به - خيرًا كان أم شرًا، معلناً أم مسرًا- فإنه يُكتب لك أو عليك؛ كما قال الله تبارك وتعالى :﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق:18]، فراقب هذا الأمر ، وإياك أن تخرج من لسانك قولاً تحاسب عليه يوم القيامة، اجعل دائما لسانك يقول الحق أو يصمت، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيرًا أو ليصمت)) (193). الثالث: أن تراقب الله في سرِّك وفي قلبك، انظر ماذا في قلبك من الشرك بالله والرياء، والانحرافات، والحقد على المؤمنين،وبغضاء، وكراهية،ومحبَّةٍ للكافرين ، وما أشبه ذلك من الأشياء التي لا يرضاها الله عز وجل؟ راقب قلبك، تَفَقَّدهُ دائماً؛ فإن الله يقول:﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾[ق:16] ، قبل أن ينطق به. فراقب الله في هذه المواضع الثلاثة، في فعلك ، وفي قولك، وفي سريرتك، وفي قلبك، حتى تتم لك المراقبة، ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان قال: (( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)). اعبد الله كانك تراه ، كأنك تشاهده رأي عين، فإن لم تكن تراه فانزل إلى المرتبة الثانية: (( فإنه يراك)). فالأول: عبادة رغبة وطمع، أن تعبد الله كأنك تراه، والثاني: عبادة رهبةٍ وخوف، ولهذا قال: (( فإن لم تكن تراه فإنه يراك)). فلابد أن تراقب ربك، وأن تعلم أن الله رقيب عليك، أي شيء تقوله، أو تفعله، أو تضمره في سرِّك فالله تعالى عليم به، وقد ذكر المؤلف- رحمه الله- من الآيات ما يدل على هذا، فبدأ بالآية التي ذكرناها؛ وهي قوله- تعالى- لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم :﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الشعراء: 217ـ 220] . | |
|
مسلم Admin
عدد المساهمات : 9693 نقاط : 17987 السٌّمعَة : 67 تاريخ التسجيل : 11/03/2010 العمر : 55
| موضوع: رد: مراقبه الله الثلاثاء أغسطس 03, 2010 12:54 am | |
| الآية الثانية التي ساقها المؤلف- رحمه الله تعالى- في باب المراقبة: قوله تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [الحديد:4]، الضمير ﴿هو﴾ يعود على الله، أي: الله سبحانه وتعالى مع عباده أينما كانوا: في برٍّ أو بحرٍ، أو جوٍّ، أو في ظلمةٍ، أوفي ضياء. وفي أي حال هو معكم أينما كنتم. وهذا يدل على كمال إحاطته عز وجل بنا علما وقدرة وسلطانا وتدبيرًا وغير ذلك. ولا نعني أنه سبحانه وتعالى معنا في نفس المكان الذي نحن فيه؛ لأن الله فوق كل شيء، كما قال الله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:5] ، وقال ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾[الأنعام: 18] وقال تعالى: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾ [الملك:16] ، وقال: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة: 255] ، وقال ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾ [الأعلى:1] ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على أنه فوق كل شيء، لكنه عز وجل ليس كمثله شيء في جميع نعوته وصفاته، هو عليّ في دُنُوِّه، قريب في علوِّه جل وعلا، كما قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة:186] ، ولكن يجب أن نعلم أنه ليس في الأرض، لأننا لو توهمنا هذا، لكان فيه إبطال لعلو الله سبحانه وتعالى. وأيضاً فإن الله سبحانه لا يسعه شيء من مخلوقاته: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ [البقرة:255] . الكرسي محيط بالسماوات والأرض كلها ، والكرسي هو موضع قدمي الرحمن عز وجل، والعرش أعظم وأعظم ، كما جاء في الحديث: ((إن السموات السبع والأرضيين السبع بالنسبة للكرسي كحلقة أُلقيت في فلاة من الأرض)). حلقة كحلقة المغفر صغيرة أُلقيت في فلاة من الأرض، أي مكان متسع، نسبة هذه الحلقة إلى الأرض ليست بشيء. قال : (( وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة)) (194) ، فما بالك بالخالق جل وعلا! الخالق - سبحانه وتعالى- لا يمكن أن يكون في الأرض ، لأنه - سبحانه وتعالى- أعظم من أن يُحيط به شيء من مخلوقاته ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم﴾ [الحديد:4] . واعلم أن المعيَّة التي أضافها الله إلى نفسه تنقسم بحسب السياق والقرائن.فتارة يكون مقتضاها الإحاطة بالخلق علما وقدرة وسلطانا وتدبيراً وغير ذلك، مثل هذه الآية :﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم﴾ ومثل قوله تعالى:﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ﴾ [المجادلة:7] . وتارةً يكون المراد بها التهديد والإنذار، كما في قوله تعالى:﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً﴾ [النساء:108] ، فإن هذا تهديد وإنذار لهم أن يُبَيِّتُوا ما لا يرضى من القول يكتمونه عن الناس، يظنون أن الله لا يعلم، والله- سبحانه - عليم بكل شيء. وتارةً يُراد بها النصر والتأييد والتثبيت وما أشبه ذلك، مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل:128]، وكما في قوله تعالى:﴿فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد:35] ، والآيات في هذا كثيرة. وهذا القسم الثالث من أقسام المعيَّة تارةً يضاف إلى المخلوق بالوصف، وتارةً يضاف إلى المخلوق بالعين. فقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل:128] ، هذا مضاف إلى المخلوق بالوصف، فأي إنسان يكون كذلك فالله معه. وتارةً يكون مضافاً إلى المخلوق بعين الشخص، مثل قوله تعالى:﴿إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة:40]، فهذا مضاف إلى الشخص بعينه، وهي للرسول - عليه الصلاة والسلام- وأبي بكر - رضي الله عنه- وهما في الغار، لما قال أبو بكر للرسول النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا، لأن قريشاً كانت تطلب الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر- رضي الله عنه- بكل جدّ! ما من جبل إلا صعدت عليه، وما من واد إلا هبطت فيه، وما من فلاة إلا بحثت، وجعلت لمن يأتي بالرسول- عليه الصلاة والسلام- وأبي بكر مائتي بعير، مائةً للرسول، ومائةً لأبي بكر، وتعب الناس وهم يطلبونهما، ولكن الله معها. حتى وقفوا على الغار ،يقول أبو بكر: لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا، فيقول له الرسول عليه الصلاة والسلام : ((لا تحزن إن الله معنا ، فما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟)) والله ظنُّنا لا يغلبهما أحد ، ولا يقدر عليهما أحد. وفعلاً هذا الذي حصل ؛ ما رأوهما مع عدم المانع، فلم يكن هناك عشٌ كما يقولون ولا حمامة وقعت على الغار ، ولا شجرة نبتت على فمِ الغار ، ما كان إلا عناية الله عز وجل ؛ لأن الله معهما . وكما في قوله ـ سبحانه ـ لموسى وهارون ، لما أمر الله موسى وأرسله إلى فرعون هو وهارون :﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طـه: 45،46] . الله أكبر: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ إذا كان الله معهما هل يمكن أن يضرهما فرعون وجنوده ؟ لا يمكن ، فهذه معيَّة خاصة مقيَّدة بالعين : ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ . المهم أنه يجب علينا أن نؤمن بأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ مع الخلق ، لكنه فوق عرشه ولا يساميه أحد في صفاته ، ولا يدانيه أحد في صفاته ، ولا يمكن أن تورد على ذهنك أو على غيرك كيف يكون الله معنا وهو في السماء ؟ نقول : الله ـ عز وجل ـ لا يقاس بخلقه ، مع أن العلو والمعية لا منافاة بينهما حتى في المخلوق . فلو سألنا سائل : أين موضع القمر ؟ لقلنا : في السماء ، كما قال الله :﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً﴾ [نوح:16] ، وإذا قال : أين موضع النجوم ؟ قلنا في السماء ، واللغة العربية يقول المتكلمون فيها : ما زلنا نسير والقمر معنا ، ما زلنا نسير القمر والنجم معنا ! مع أن القمر في السماء والنجم في السماء ، لكن هو معنا ، لأنه ما غاب عنا . فالله ـ تعالى ـ وهو على عرشه ـ سبحانه ـ فوق جميع الخلق . وتقتضي هذه الآية بالنسبة للأمر المسلكي المنهجي بأنك إذا آمنت بأن الله معك ، فإنك تتقيه وتراقبه ؛ لأنه لا يخفى عليه ـ عز وجل ـ حالك مهما كنت ، لو كنت في بيت مظلم ليس فيه أحد ولا حولك أحد فإن الله تعالى معك ، لكن ليس في نفس المكان ، وإنما محيط بك ـ عز وجل ـ لا يخفى عليه شيء من أمرك . فتراقب الله ، وتخاف الله ، وتقوم بطاعته ، وتترك مَنَاهِيه . والله الموفق . ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ... ﴾ الآية الثالثة التي ساقها المؤلف رحمه الله تعالى ـ في باب المراقبة قوله تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ﴾ [آل عمران:5] ، ﴿شَيْءٌ﴾ نكرة في سياق النفي في قوله : ﴿لا يَخْفَى﴾ فتعم كل شيء ، فكل شيء لا يخفى على الله في الأرض ولا في السماء ، وقد فصل الله هذا في قوله تبارك وتعالى : ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام:59] . قال العلماء : إذا كانت الأوراق الساقطة يعلمها ؛ فكيف بالأوراق النامية التي ينبتها ويخلقها ؛ فهو بها أعلم عز وجل . أما قوله : ﴿وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ﴾ . ﴿حَبَّةٍ﴾ : نكرة في سياق النفي المؤكد بمن . إذاً يشمل كل ورقة صغيرة كانت أو كبيرة . ولْنفرض أن حبة صغيرة منغمسة في طين البحر ، فهي في خمس ظلمات: الظلمة الأولى: ظلمة الطين المنغمسة فيه. الثانية: ظلمة الماء في البحر. الثالثة: ظلمة الليل. الرابعة: ظلمة السحاب المتراكم. الخامسة: ظلمة المطر النازل. خمس ظلمات فوق هذه الحبة الصغيرة؛ والله عز وجل يعلمها. وقوله: ﴿وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ . مكتوب ، مبيَّن، بيِّن ، ظاهر ، معلوم عند رب العالمين عز وجل. إذاً من كان هذا سعة علمه فعلى المؤمن أن يراقب الله سبحانه وتعالى، وأن يخشاه في السر كما يخشاه في العلانية، بل الموفَّق الذي يجعل خشية الله في السر أعظم وأقوى من خشيته في العلانية ، لأن خشية الله في السر أقوى في الإخلاص، لأنه ليس عندك أحد؛ لأن خشية الله في العلانية ربما يقع في قلبك الرياء ومراءاة الناس. | |
|
مسلم Admin
عدد المساهمات : 9693 نقاط : 17987 السٌّمعَة : 67 تاريخ التسجيل : 11/03/2010 العمر : 55
| |
مسلم Admin
عدد المساهمات : 9693 نقاط : 17987 السٌّمعَة : 67 تاريخ التسجيل : 11/03/2010 العمر : 55
| |
مسلم Admin
عدد المساهمات : 9693 نقاط : 17987 السٌّمعَة : 67 تاريخ التسجيل : 11/03/2010 العمر : 55
| موضوع: رد: مراقبه الله الثلاثاء أغسطس 03, 2010 1:08 am | |
| ولذلك نحن نؤمن ونعتقد بأن جميع النصارى واليهود وغيرهم من الكفرة كلهم من أصحاب النار، لأن هذه شهادة النبي عليه الصلاة والسلام، والجنة حرام عليهم، لأنهم كفرة أعداء لله تعالى ولرسله عليهم الصلاة والسلام، أعداء لإبراهيم ، ولنوح، ولمحمد، ولموسى، ولعيسى، ولجميع الرسل عليهم الصلاة والسلام . وقوله: ((أن تشهد أن لا إله إلا الله)) مع قوله: ((وأن محمداً رسول الله)) هذان جمعا شرطي العبادة، وهما: الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن من قال : لا إله إلا الله أخلص لله، ومن شهد أن محمداً رسول الله اتبع رسول الله ولم يتبع سواه. ولهذا عُدَّ هذان ركنا واحدا من أركان الإسلام، لأنهما يعودان إلى شئ واحد، وهو تصحيح العبادات، لأن العبادات لا تصح إلا بمقتضى هاتين الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله التي يكون بها الإخلاص، وأن محمد رسول الله التي يكون بها الاتباع . وقوله: ((وأن محمدا رسول الله)) يجب أن تشهد بلسانك، مقرا بقلبك، أن محمدا رسول الله، أرسله إلى العالمين جميعا رحمة بالعالمين، كما قال الله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:107] ، و أن تؤمن بأنه خاتم النبيين، كما قال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب:40]، فلا نبي بعده، ومن ادَّعى النبوة بعده فهو كافر كاذب، ومن صدقه فهو كافر. و يلزم من هذه الشهادة أن تتبعه في شريعته و سنته، و أن لا تبتدع في دينه ما ليس منه و لهذا نقول: أن أصحاب البدع الذين يبتدعون في شريعة الرسول صلى الله عليه و سلم ما ليس منها أنهم لم يحققوا شهادة: أن محمدا رسول الله ! حتى و أن قالوا أننا نحبه و نعظمه، فإنهم لو أحبوه تمام المحبة و عظموه تمام التعظيم ما تقدموا بين يديه، و لا أدخلوا في شريعته ما ليس منها. فالبدعة مضمونها حقيقة القدح برسول الله صلى الله عليه و سلم كأنما يقول هذا المبتدع: أن الرسول صلى الله عليه و سلم لم يكملِ الدين و لا الشريعة، لأن هناك ديناً و شريعةً ما جاء بها ! ثم في البدعة محذور آخر، وهو عظيم جدا، وهو أنه يتضمن تكذيب قول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة:3]، لأن الله تعالى إذا كان أكمل الدين، فمعناه أنه لا دين بعدما جاء به الرسول عليه الصلاة و السلام، و هؤلاء المبتدعون شرعوا في دين الله ما ليس منه، من تسبيحات و تهليلات و حركات و غير ذلك، فهم في الحقيقة مكذبون لمضمون قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾. وكذلك قادحون برسول الله صلى الله عليه و سلم متهمون إياه بأنه لم يكمل الشريعة للبشر، و حاشاه من ذلك . ومن تمام شهادة أن محمدا رسول الله أن تُصَدِّقه فيما أخبره به، فكل ما صح عنه وجب عليك أن تصدق به، و أن لا تعارض هذا بعقلك و تقديراتك و تصوراتك، لأنك لو لم تؤمن إلا بما صدق به عقلك لم تكن مؤمنا حقيقة، بل متبعا لهواك لا آخذا بهداك، والذي يؤمن بالرسول عليه الصلاة و السلام- حقا يقول فيما صح عنه من الأخبار: سمعنا و آمنا و صدقنا . أما أن يقول: كيف كذا؟ كيف يكون كذا؟ فهذا غير مؤمن حقيقة، و لذلك يُخشى على أولئك القوم الذين يحكمون عقولهم فيما أخبر به الرسول عليه الصلاة و السلام، لأنهم إن كانوا لا يقبلون إلا بما شهدت به عقُولهم- و عقولهم لا شك إنها قاصرة- فإنهم لم يؤمنوا حقا برسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يشهدوا أنه رسول الله صلى الله عليه و سلم على وجه الحقيقة ، عندهم من ضعف هذه الشهادة بمقدار ما عندهم من التشكك فيما أخبر به . كذلك من تحقيق شهادة: ((أن محمدًا رسول الله)) إلا تغلو فيه فتنزله بمنزلة أكبر من المنزلة التي أنزله الله إياها ، مثل أولئك الذين يعتقدون أن الرسول صلى الله عليه و سلم يكشف الضر، حتى إنهم عند قبره يسألون النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة أن يكشف الضر عنهم، وأن يجلب النفع لهم. هذا غلو في الرسول - عليه الصلاة والسلام - وشرك بالله عز وجل !! لا يقدر أحد على ذلك إلا الله سبحانه وتعالى. والنبي صلى الله عليه وسلم بعده موته لا يملك لنفسه شيئا أبدا. حتى الصحابة لما أصابهم القحط في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-واستسقوا في مسجد الرسول- عليه الصلاة والسلام- ما جاؤوا إلى القبر يسألون الرسول أو يقولون ادعُ الله لنا أو اشفع لنا عند الله حتى ينزل الغيث. قال عمر يدعو الله : (( اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسْقِنا))(199) ، ثم أمر العباس أن يقوم ويدعوا الله تعالى بإنزال الغيث . لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ميِّت لا عمل له بعد موته، هو الذي قال: (( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ))(200). فالنبي صلى الله عليه وسلم بنفسه لا يملك شيئا، لا يملك أن يدعو لك وهو في قبره أبدا. فمن أنزله فوق منزلته التي أنزله الله فإنه لم يحقق شهادة ((أن محمدًا رسول الله)) بل شهد أن محمدًا رب مع الله نعوذ بالله، لأن معنى كونه رسولا أنه عبد لا يُعبد ورسول لا يكذب، نحن في صلاتنا كل يوم نقول: (( أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله)).فهو عبدٌ كغيره من العباد مربوب، والله هو المعبود عز وجل وهو الرب . إذاً نقول لهؤلاء الذين نجدهم يغلون برسول الله صلى الله عليه وسلم وينزلونه فوق منزلته التي أنزله الله، نقول لهم: إنكم لم تحققوا لا شهادة أن لا اله إلا الله، ولا شهادة أن محمدًا رسول الله. فالمهم أن هاتين الشهادتين عليهما مدار عظيم، كل الإسلام فهو عليهما . لذلك لو أراد الإنسان أن يتكلم على ما يتعلق بهما منطوقا ومفهوما ومضمونا و إشارة لاستغرق أياما! ولكن نحن أشرنا إشارة إلى ما يتعلق بهما، و نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يحققهما عقيدة، وقولا، وفعلا! | |
|