من يوقف عبث الإيلام الفضائي؟
الحمدُ لله ذي المنَّة، والصلاة والسلام على رسولِ هذه الأمَّة، ومَن اقتفى أثرَه وسار على السُّنة.
وبعد:
سمَّاه أحدُ خطبائنا البلغاء بـ(الإيلام)، وقد صَدَق في ذلك، فإعلامنا الفضائيُّ اليوم بمختلف مسميات قنواته هو إيلامٌ يصبُّ أذاه على أمَّتنا صبًّا، إلا ما رحِم ربي منه.
ولا يبدو - للأسف الشديد - أنَّ القائمين عليه يُبَيِّتون نيَّةً للتغيير الإيجابي نحوَ مزيد من المحافظة، والعودة إلى القِيَم الإسلامية فيما يُطرَح ويُقدَّم من موادَّ إعلامية، فالإسفافُ يزداد بشكل ممنهَج، ويواصل اختراقَه لدركات الانحطاطِ الإعلامي، في ظلِّ غياب مواثيق الشَّرَف الإعلامي عن سدَّة القيادة، الأمر الذي أحال سُوقنا الإعلاميَّة إلى ساحةٍ مفتوحة لا سُلطةَ فيها، يُنشَر فيها كلُّ صادر ووارد، سواء قدِم من أمريكا والهند، وشرق آسيا وروسيا، وغيرها.
وقد صار التخصُّص في إيلامنا سِمَةً بارزة اليوم، فمَع كمِّ الإنتاج الرهيب وكَيْفه، وتعدُّد مصادره الأمريكيَّة والهِندية، والتركية والفارسية، والمكسيكية وغيرها، صار أربابُ القنوات يَلْجؤون إلى افتتاح المزيد منها، على شكلِ قنوات متخصِّصة في (السينما والتمثيل)؛ تلبيةً لرغبات الجمهور المخدَّر، ومع كلِّ قناة ينزل مستوى التحفُّظ، ويهوي مؤشِّر الأخلاق، فضلاً عن الإفساد العَقَدي والثقافي المنظَّم.
والباحِث في (الإنترنت) يجد العجبَ العجاب من الموادِّ المنسوخة من هذه القنوات، والتي تدلُّ على تخلُّف النَّسَق القِيَمي الذي تنشُره، والتي تجاوزتْ حواجزَ الحياء، وسكبَتْ ماء وجوه القائمين عليها أمامَ الرأي العام، الذي بات يشكُّ صراحةً في توجُّهاتها ومهمَّتها في العالَم الإسلامي، كيف لا، وقد وصلتْ إحْدى قنوات الأطفال العربية إلى دركات الشُّذوذ والاعتداء على البهائِم في إفسادها للأخلاق، ولم تُبالِ بما كانت يومًا أخلاقًا مَعِيبة، فعرضَتْها على الأطفال عيانًا بَيانًا في غفْلة من الآباء والمربِّين؟!
ولم يكتفِ هذا الإيلامُ بالاستهزاء بالمسلمين، وتحقير ثقافاتهم (والمفروض أنه المؤيِّد والناشر لها)، بل تجاوز ذلك إلى التشفِّي والتخذيل، والتثبيط عن مواجهةِ الأعداء، مع تسطيحِ الاهتمامات وتحقيرها، وتعظيمِ العدوِّ وإظهارِ تفوُّقِه، فقد عَنونت إحدى الإخباريات العربية لتغطيتها الإعلامية لحرْب غزة بـ(غزة في ورْطة)، ونشرَتْ خمس صحف محلية - وللأسف الشديد - إعلانًا لفيلم عربيٍّ خليع في تزامُن مريب، ثاني أيَّام الحرْب.
أمَّا عولمة المجتمع، فهي مهمَّة شُهِد لإيلامنا بإتْمامها على أكملِ وجه، وقد أتى على ذلك الباحِثُ الأكاديمي (عبدالكريم آل عبدالمنعم) في دراسةٍ رائعة حولَ مجموعة إعلامية عربية واحدة، فأحْصى 48 مناسبة خلال 8 ساعات، ذُكِر فيها الصليب أو كلمة (أمريكا)، أو اسم إحدى مُدنِها أو مؤسَّساتها الأمنية، أو شُوهد عَلَمُها في قناة واحدة من قنوات تلك المجموعة، التي تزاملها حوالي أرْبع قنوات أخرى، تخصَّصت في الثقافة الأمريكية تحتَ عباءة (السينما والتمثيل)، ولَكُم أن تتخيَّلوا أنَّنا نُشاهد شيئًا من ذلك الغُثاء مرَّة كل عشْر دقائق في قناة واحدة فقط!
هنا يسأل الحيران: أين دِيننا؟ وكيف لا ينهانا عن السُّكوت عن هذه الشرور والمحرَّمات؟!
أين أصالتُنا؟ وأين هُويَّتنا؟ وأين اعتزازُنا بدِيننا وإسلامنا؟!
أين مواثيقُنا الإعلامية؟ وأين صِدْقُنا مع أنفسنا في مواجهةِ هذه الأباطيل؟!
أين خوفُنا على أجيالنا؟ وأين رغبَتُنا في مجتمع آمِن لحياة سعيدة؟!
أين مشاريعُنا التنمويَّة؟ وكيف تغفُل عن هذا المِعْوَل الهدَّام؟! وأين جهودنا في صيانةِ العفاف في المجتمع؟! وكيف نسمح لهذه المجموعةِ بتبديدها؟!
ستَبْقى هذه الأسئلةُ مجالاً للنِّقاش، حتى نرَى هذا الخبثَ الإعلامي يُصفَع في وجهه ليستفيقَ أو يذهب مع الرِّياح، فإعلام لا ينفعُنا عند ربِّنا - تبارك وتعالى - لا نُريده ولا نرْغَب فيه.