حوّلت التجارة لعمل دعوي

د. سعد بن عبد الله العباد



يعترف المهندس عبد الله بن سليمان الخلف الذي يعمل مديراً لإحدى
المنشآت المهمة في السعودية، بأنه لم يكن في يوم من الأيام مديراً؛ لأنه
كان يسير خلف موظفيه ويطبق عليهم ما يطبق من عقوبات أو حوافز.

وأكّد الخلف على أهمية التفريق بين المدير والقائد في المنشآت؛ إذ إن
الأول في رأيه قد يدير العمل من "خلف الكواليس"، أما الثاني فهو يسير مع
موظفيه ولايميز نفسه عنهم، موضحاً بأنه يرى نفسه قائداً لا مديراً.

ويرى الخلف أن المبادئ الإدارية التي انتشرت مؤخراً تمثل له موجهات
أساسية أثناء ممارسته لعمله الإداري، مؤكداً في ذات الوقت على أن الالتزام
بأسس الدين الإسلامي يمهّد الطريق أمام أي مدير أو قائد لمنشأة لأن يطبق
المفاهيم الإدارية بشكل تلقائي.

وقال المهندس عبدالله الخلف في حوار له مع (الإسلام اليوم): إنه يحاول
أن تكون منشأته مكاناً للاهتداء للإسلام أيضاً كما هي محل لعمل استثماري
مستذكراً في هذا الصدد ما كان يقوم به التجار المسلمون الأوائل حين كانوا
ينشرون الإسلام في أصقاع الأرض أثناء جولاتهم التجارية.

تقود عملاً ظاهر النجاح..فما هي الرؤية التي تحرصون على تطبيقها في منشأتكم؟

يمكن إجمالها في
المثابرة والانضباط والتعامل الحسن مع الجميع حتى يعطوك أجمل ما عندهم،
وهذه الأمور نابعة من ديننا الحنيف (تبسمك في وجه أخيك صدقة) وكذلك يجب عدم
التفريق بين العاملين على حسب الجنسية أو اللون أو الديانة من باب العدل،
فلا بد أن يُقال للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت بغض النظر عن الأمور السابقة،
أما العمالة غير المسلمة فهؤلاء نستفيد منهم ونرغّبهم في الإسلام بالمعاملة
الطيبة معهم، فالإسلام انتشر في الغرب والشرق بسبب المعاملة الطيبة التي
كان يتعامل بها التجار المسلمون مع غيرهم. فمتى ما كسبت من حولك، نُفذت
أوامرك دون نقاش؛ لأنهم يثقون بك، وهذا هو المهم في الإدارة.

وأذكر مرة أثناء حرب الخليج الثانية لما ضرب جهاز الإنذار خرج العمال
من المصنع خوفاً من الصواريخ فتعطّل العمل في المصنع، ولو اتبعت سياسة
الفصل لم يبق أحد، ولكنني خرجت لهم، وقلت لهم: إذا كنتم خائفين ادخلوا -على
الأقل- تحت المظلة حتى تحميكم، فدخلوا تحت المظلة عند المكائن، فقلت لهم:
هل هذا مصنعي، قالوا: لا، قلت: هل أنا موظف مثلكم قالوا: نعم، قلت: لو كان
فيه خطر هل سوف أخاطر بحياتي؟ أنا أتيت المصنع وجلست معكم، وليس معقولاً أن
أخاطر بحياتي لو كان فيه أدنى خطر لكنت تركتكم تذهبون وذهبت معكم، هذا
الكلام كان الساعة السابعة صباحاً، وفي الساعة 7.45 كانت جميع آلات المصنع
تعمل.

يركز علماء الإدارة بشدة على مبدأ (وضوح الأهداف وتحديدها).. فكيف تتعامل مع هذا المبدأ؟ وهل تطبقه في عملك؟

لا شك أن وضوح
الأهداف وتحقيقها أمر مهم، ولكن في بعض الأحيان يكون تحقيقها ليس بيد
الإدارة أو بيد العمالة, مثلاً, المصنع قد يريد أن يرفع إنتاجيته لزيادة
أرباحه لكن –أحياناً- الطلب لا يكون مناسبًا أو لا يمكن الاستيلاء على جميع
المناقصات؛ فروح المنافسة تدخل فيها بعض الأمور مثل التلاعب بالمناقصات
ومنهجنا في المصنع أن نخسر المناقصة ولا نخسر السمعة، لذلك هذا المصنع يصنف
ضمن المصانع الأوروبية للجودة العالية وهذا هو الهدف الأساس لنا، وهو بناء
اسم وسمعة للمصنع، والبقاء في النهاية للأفضل، ومن الأهداف أيضاً
الاستغلال الأمثل للمخلّفات، وأذكر أن ناسًا من اليمن يريدون هذه المخلفات
فوقّعنا عقدًا معهم، ومن الصدف حضرت مجموعة أيضاً من اليمن تريد هذه
المخلفات، فأخبرناهم أننا وقعنا عقداً مع آخرين، فأخذوا يجعلون واسطات
بيننا لشراء هذه المخلفات، فاتصل بي أحد مديري المصنع يتوسط في الأمر وقال –
مازحاً-: مصانع لا تستطيع أن تصرف إنتاجها ومصانع يتنازع على مخلفاتها.

مقولة (ضع الرجل المناسب في المكان المناسب) الى أي مدى وجدت لها مكاناً في منشأتكم؟

هذه المقولة صحيحة،
ولكن متى تجد الرجل المناسب، أو كيف تعرف أن هذا الرجل مناسب لهذا المكان؟
لأنه قد ينجح شخص في مصنع ولا ينجح في قطاع حكومي، وقد ينجح شخص في مجال
بينما لا ينجح في مجال آخر، إضافة إلى أن الرجل المناسب لن يكون مناسباً
إلا إذا تعلم وتدرب وكان كفئاً للمكان الذي يوكل إليه، كذلك عند اختيار
الرجل المناسب من وجهة نظري يجب أن أعطيه أسباب النجاح الوظيفي المحدد له
من الصلاحيات وغيرها، كذلك يجب أن يُعطى الرجل المناسب فكرة كاملة عن
المكان والوظيفة التي سوف يشغلها، فمثلاً نرى في الشركات أو المؤسسات
العائلية قد يوضع رجل غير مناسب في مكان بالغ الخطورة فيتدهور الوضع؛ لأن
السبب في ترشيحه هو مكانة هذا الرجل في عائلته.

هل تدير مصنعك أم تقوده؟ بمعنى آخر هل تعتبر نفسك مديراً أم قائداً؟

أعدّ نفسي قائدًا للآتي:

أولاً: القائد ينطبق عليه ما ينطبق على جنوده، أما المدير فهو قد يدير
من خلف الكواليس، وهذا في رأيي لا يفعله إلا بعض المديرين الضعفاء.

ثانياً: أنا لا أحب الانعزال في مكتبي، بل أحتك بالموظفين، وأنزل إلى
المصنع فأشجّع المحسن وأحذر المقصر وأحاسبه، وابتسم في وجوه العاملين،
وأسألهم عن أحوالهم.

هل تجد أهمية لاتصال مسؤولي المنشآت مع العاملين؟

نعم فيه فوائد جمة،
وأنا أطبق هذا على نفسي، ولعل الأمر الذي خدمني هو تدرج المناصب في المصنع؛
فكنت أحتك مع العاملين احتكاكًا شبه يومي، مع بقاء معاملتي الطيبة لهم
مهما تدرجت في المنصب، فالعاملون يشعرون أنني قريب منهم، فمتى أشعرت العامل
بقيمته وقربك منه أعطاك كل ما عنده، وعندما أصبحت مديرًا عامًا احتفظ
الموظفون بهذا الود بيني وبينهم، فمن المهم ألاّ يشعر الموظفون أن بينك
وبينهم حواجز، لذا أخبرتهم في أول اجتماع أنني المهندس عبد الله الخلف هو
عبد الله الخلف نفسه في أي منصب يتولاه، ولكن لكل منصب يجبرك على فعل أمر
معين فأرجو أن لا تعدوا هذا تكبراً وتغييرًا ولكنه من باب المسؤولية عن
الشيء.

في رأيكم ماهي أسباب نجاح الشركات التي وصلت إلى العالمية في منتجاتها ومخرجاتها؟

نحتاج إلى التكافل،
فالشركات الكبرى تحاول إنتاج كل شيء فلا تدع مجالاً للشركات الصغرى في
الإنتاج، يجب أن أستفيد من قيام شركات صغرى لإنتاج أشياء جانبية لإنتاج
الشركات الكبرى، فمتى عملت هذا كان عندي تكافل، يجب ألاّ أنظر إلى أن أكوّن
مصنعًا متكاملاً ، فيجب أن أترك بعض الأمور لإنتاج الشركة الصغرى، وقد
تكلف المصنع أكثر مما لو تركها لهذه الشركات، لذا يجب أن يكون هناك تكافل
وتكامل بين الشركات الكبرى والصغرى.

ماهو الدور الذي يمكن أن يعلبه (المديرون) في المملكة في ظل وجود المستثمر الأجنبي؟

لا أتصور أنه منافس
ما لم أعطه فرصة المنافسة. فأوّلاً يجب أن أثق أن إنتاجي وصل إلى درجة
معينة من الجودة تجعلها مقبولة عند العميل ومنافسة.

الأمر الثاني معاملتي مع المستهلكين يجب أن تكون طيبة حتى لا أعطيهم
الفرصة لكي يبحثوا عن غيري فهذه الأمور في يد مدير المستقبل، فمتى ما كسب
العملاء وحافظ على جودة منتجه فهذا بمثابة بناء السد المنيع ضد المستثمر
الأجنبي.

بعد هذه السنوات الطويلة في العمل الإداري في مختلف المناصب والمواقع هل ترون أنكم حققتم كل طموحاتكم ورؤاكم الإدارية؟

لا أتصور ذلك؛ لأنني
إذا عرفت أنني حققت كل طموحاتي الإدارية فيجب أن أعطي المكان لغيري، فمتى
ما توقّف عنصرا التجديد والتطوير لدى الشخص فقد أعطى كل ما عنده، ويجب عليك
ألا تقتنع بما تحصل عليه بل تطلب الأكثر.

** أخيراً .. ماذا تعني لك المفاهيم التالية؟

الفاعلية: الإنتاج الكامل.

الفشل: توقف جهاز.

الفرصة: إنتاج أكبر كمية بأقل وقت.

الخبرة: مرور السنين.

الإبداع: فن التعامل.

الموهبة: البساطة.

الوقت: ذهب.

الولاء: إلى حد معين لمصلحة العمل.

التطوير: استقدام كل ما هو جديد بأقل تكلفة.

التغيير: مطلوب إلى حد معين.

الابتسامة: حياتي.

العدالة: أعط كل ذي حق حقه.

الثقة: تُمنح للجميع ما لم يتبين عكس ذلك.

الرياضة: النشاط.

الشهرة: إن بحثت عنها لم تبحث عنك.

الحكمة: م